أنا الروح الحزينة
أشبه ورقة وحيدة على شجرة،
أشبه شجرة أخيرة
في حقل قصي،
تهزّها نسمة خفيفة
فترتعش
حتى الجذور.
أنا أصغر الكائنات على هذه الأرض،
أختبئ
حتى من ظلي،
أرمي الحصى في الماء
لأموّه
حزناً أليفاً في عيني.
لكنني أذكرك
فتهتز بي غابات داكنة،.
لا أتكلم
أحمل يدي الى قلبي فتعرفينني،
أحمل يدي الى فمي وأقبّل
رائحةً بعيدةً تتفتح
كأزهار غريبة في كهوف سرية،
رائحة تشبه ليلاً شتوياً
مبللاً بأنفاسي على نافذة
بينما أراقب طريقاً طويلاً مظلماً
وأنتظر.
رحلوا.
حملوا أوجاعهم
مضوا خطاً مستقيماً
حتى اختفوا.
لم يتركوا رسائل وداع
استفاقوا على هلع وتبدّدوا
كسراب.
لم يبق من أثرهم سوى يمام ينقر
شباك الغياب
ويأكل قمحاً يابساً
من رأس العتب.
أمشي وحدي في المكان المهجور.
الأبواب صُدّت
والشبابيك ما فتحت ذراعيها للشمس
منذ زمن.
الدودة الصغيرة التي ربّتها عنكبوت الدار
أمست سمينة وجاهزة
للوليمة.
وحصى الطريق الذي رتّبته
ما بعثره أطفال،
أمشي ويتسمّر كجنود منضبطة
يلقي التحية.
لماذا نسيتموني هنا،
حارسة الأمكنة العتيقة؟
أغسل ذاكرتي بالنسيان
ولكن
تمثل أمامي مدنٌ تحترق
وأجسادٌ تتساقط من أطراف أصابعي،
تخرج مني أسرابٌ من الأسماء الهلعة
تنظر اليّ بعيون أحبها
فأركع
أفرد يدي مسبحة
أكرر فوق طيات الأصابع
كل اسم من الاسماء
حتى تهدأ نفوسها.
انتم هناك
في ممالك بعيدة
في أبراج مستحيلة
تشيرون جميعاً باتجاه واحد،
بوصلتكم قلبي.
من خلف قبعات الجبال ترسلون اليّ
قطعاناً من غمامٍ
لآكل،
وملحاً لأعدّل مذاق الحنين في الماء.
ما عدت أعرف يقيناً
من منا حزم صرة الرحيل أولاً،
من منا تجرأ على الخطوة الفاصلة
بين لحظتين،
من منا نحر خيط الحرير
من الوريد الى الوريد
فأمسينا على مسافة قلبين افترقا
الى الأبد.
أغفو
وسراً تتحرك البذور في أثلام
تركها الرحيل في قلبي،
وتنبت غابة مجنونة
كل شجرة فيها تتسلق الهواء
تترك شعرها الغجري للريح
أوراقها خلاخيل تهمس
تنادي
تصرخ
تتوسل
ثم تموت مفجوعة
تحت أقدام الزمان.